وجهة نظرك

هذه مساحة مخصصة لأصوات ووجهات نظر مرضى أطباء بلا حدود وموظفيها من ذوي الإعاقة. تواصلوا معنا إن كنتم ترغبون بمشاركة تجاربكم ورؤاكم مع حركة أطباء بلا حدود.

© Kayode Egbeleye - MSF

من مريضة إلى مسؤولة عن التوعية والدعم حياة مليكات بعد نوما

نجت مليكات من نوما وتعمل اليوم مرشدة للنظافة الصحية في مستشفى نوما الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في سوكوتو، في شمال غرب نيجيريا. أتت مليكات قبل أكثر من عشرين عاماً من لاغوس إلى سوكوتو طلباً للرعاية الطبية وبحثاً عن الأمل. وها هي اليوم تدعم أشخاصاً آخرين ممن تضرروا بمرض نوما وتضمّ صوتها إلى صوت أطباء بلا حدود للتوعية بنوما ودعم الناجين من هذا المرض المهمل والمروع

د. مروان البسط

كل عمل صغير يصنع فارقاً، والإرادة تصنع التغيير


مقابلة مع د. مروان البسط, طبيب الأمراض المزمنة في عيادة أطباء بلا حدود في مجدل عنجر والبقاع






فالأمر لا يتمحور حول ما فقدته وها أنا ذا مثال حيّ على ذلك 


مقابلة مع لويز ليميلا، المسؤولة عن تنسيق وتنظيم حركة جمعية أطباء بلا حدود في جمهورية الكونغو الديمقراطية




 

© Kayode Egbeleye - MSF

من مريضة إلى مسؤولة عن التوعية والدعم حياة مليكات بعد نوما

نجت مليكات من نوما وتعمل اليوم مرشدة للنظافة الصحية في مستشفى نوما الذي تدعمه منظمة أطباء بلا حدود في سوكوتو، في شمال غرب نيجيريا. أتت مليكات قبل أكثر من عشرين عاماً من لاغوس إلى سوكوتو طلباً للرعاية الطبية وبحثاً عن الأمل. وها هي اليوم تدعم أشخاصاً آخرين ممن تضرروا بمرض نوما وتضمّ صوتها إلى صوت أطباء بلا حدود للتوعية بنوما ودعم الناجين من هذا المرض المهمل والمروع. وفيما يلي شهادة مليكات

التبعات التي تطال الناجين من نوما مروعة ويصعب التعايش معها. فلا أحد يرغب في التعاطي معنا أو الحديث إلينا نظراً للتمييز ووصمة العار التي تلحق بنا. لكن ثمة مخرجاً من هذا، فالعمليات الجراحية تمنح فرصةً للشفاء. إذ يمثل قدوم الناجين من نوما إلى مستشفى سوكوتو نقطة تحول في حياتهم. كنت قد فقدت الأمل قبل أن أبدأ علاجي، لكن بعد خضوعي للعمليات الجراحية بدأت أستوعب بأنني لا أزال إنسانية كباقي الناس

وقد ساعدني في تحقيق هذا الدكتور أدينيي [د. أدينيي أديتونجي، وهو أحد أطباء وزارة الصحة العاملين في مستشفى سوكوتو]. فقد غير كل شيء بالنسبة لي، حيث شجعني على العودة إلى مقاعد الدراسة. وكنت حينها لم أعد راغبةً حتى في المحاولة، نتيجةً لوصمة العار والطريقة التي ينظر بها الناس إليّ كلما اقتربت منهم. غير أن د. أدينيي شجعني، وطلب مني أن أنظر إلى نفسي على أنني شخص قد مر بنقطة تحول. أراد مني أن أذهب إلى المجتمع وأن أردّ الجميل. وهكذا فقد أصغيت إليه وذهبت، حيث عثرت على الحافز والشجاعة

لقد درست إدارة السجلات الصحية. وفي عام 2018 عرضت منظمة أطباء بلا حدود علي عملاً. ولا أدري أين كنت سأذهب بنفسي لولا ذلك العرض. أعمل اليوم مسؤولة عن النظافة الصحية وأتعامل مع طاقم التنظيف والمرضى في المستشفى. أحرص على نظافة المحيط وأتحدث إلى المرضى ومرافقيهم عن النظافة الصحية الشخصية. كما أساعد فريق الرعاية الصحية النفسية في دعم الناجين من نوما الذين هم أشخاص مثلي كما كنت في السابق، حيث أطلعهم على تجربتي، وأقول لهم أن عليهم التحلّي بالقوة وبأن الأمور ستؤول للأفضل. يعلمون بأنني كنت في مثل وضعهم سابقاً، وقد رأى بعضٌ منهم صورتي قبل أن أخضع للعمليات الجراحية. لكن انظر إلي اليوم. ففي الحياة أمل، ولا مستحيل مع الأمل

يسهل جداً العمل مع زملائي في أطباء بلا حدود الذين ينظرون إلي كما ينظرون إلى أنفسهم. فلا مكان هنا لوصمة العار. أنا سعيدة جداً لأنهم قبلونني في المنظمة، وهذه فرحةٌ عظيمة بالنسبة لي. لدينا أيضاً زميل آخر في المستشفى يعمل مع وزارة الصحة وهو من الناجين من نوما. اسمه ظاهر ويعمل مع طاقم التنظيف

ينبغي أن يستمر الأطباء في سوكوتو بتمكين المرضى وتشجيعهم على العودة إلى مقاعد الدراسة كي يشاركوا في جهود التوعية بهذا المرض. تطول رحلة العلاج والتعافي، لكن المرضى يعودون إلى المجتمع بعد إتمام العمليات الجراحية وقد تغيّروا. فحين تنظر إليّ سترى بأنني مررت بأوقات عصيبة في حياتي. لكنني لم أعد أفكر بالماضي، فهدفي أن ألهم الناس. أريد أن أطلعهم على قصتي كي يعلموا بأن نوما حقيقة وأن الإعاقة لا تعني غياب القدرة بل على العكس
د. مروان البسط
فالأمر لا يتمحور حول ما فقدته وها أنا ذا مثال حيّ على ذلك
.هلَّا تحدثت لنا بعض الشيء عن نفسك وعن رحلتك المهنية مع أطباء بلا حدود
ولدت في عائلة فقيرة في سهل البقاع اللبناني وأصبت بمرض شلل الأطفال في ستينيات القرن الماضي، المرض الذي خلّف شللاً كاملاً في الرجل اليسرى والذي يستوجب مني وضع جهاز مثبّت للطرف والاستعانة بعكاز للمشي. تنقلت بين عدة مدارس غير مجهزة للأشخاص المعوّقين وبعد أن أنهيت المرحلة الثانوية وإمعاناً في تحدي الذات قررت السفر إلى الخارج لدراسة الطب حيث حصلت على إجازة في الطب العام من روسيا وعدت إلى وطني لأمارس الطب في أماكن مختلفة من لبنان إلى أن استقر بي المطاف في أطباء بل حدود عام 2016.
كان عملي مع أطباء بل حدود بمثابة حلمٍ تحقق لما عرفته عن المنظمة وأهدافها وعملها ولا أزال طبيباً للأمراض المزمنة في عيادة مجدل عنجر .في البقاع اللبناني.

 ما هي التحديات التي واجهتها في مسيرتك العملية في أطباء بلا حدود؟ وكيف تعاملت معها؟
أولاً من الجدير بالذكر أن إعاقتي تعتبر متوسطة لأنني أستطيع التنقل بواسطة جهاز مثبت وعصا خفيفة وبكثيرٍ من الجهد والتعب.
عندما انضممتُ إلى فريق أطباء بلا حدود كنت أدرك أنني أعمل في أماكن استثنائية في ظروف وأوضاع استثنائية طارئة.
من أهم التحديات التي واجهتني كانت مكان العمل وأمكنة الإجتماعات والتدريب إذ كانت كلها أماكن تقع في الطبقات العليا من أبنية غير مجهّزة بمصاعد أو وسائل ميسّرة للأشخاص ذوي الإعاقة فكنت أبذل جهداً كل صباح لصعود الدرج كما لنزوله مساءً وهذا الأمر ينطبق أيضاً على أماكن الاجتماعات والتدريب حيث كنت كثيراً ما أستعين ببعض الأصدقاء للصعود والنزول.
ومن التحديات الأخرى كانت استعمال أمكنة العمل والتدريب حيث لا وجود لدورات مياه مجهزة وما شابه.
هذه التحديات دفعتني مراراً للمطالبة بتعديل أماكن الاجتماعات والتدريب وتجهيز أماكن العمل ولكن جميع مطالباتي كانت تقف أمامها موانع سآتي على ذكرها لاحقاً فقد كنت أستعين على حلها بالصبر والأصدقاء مضحياً بجزء من استقلاليتي.

هل أخذت أطباء بلا حدود في اعتبارها حالتك الجسدية أو أجرت أية تعديلات في المشروع أو البعثة لتسهل عملك؟
كما ذكرتُ سابقاً كنت شديد المطالبة ولكن وعلى المستوى الشخصي من القائمين على البعثة كان هناك تفهماً لحالتي الجسدية حتى أن أكثرهم كانوا من الأشخاص الذين أستعين بهم إنما المشكلة كانت تكمن في موازنة البعثة وسياسة الدمج إذا ما كانت معتمدة فيها.
إن دمج الأشخاص المعوّقين في مكان العمل لا يكون نتيجة التعامل مع حالة فردية إذا ما وُجدتْ إنما هو سياق متكامل في أي مشروع يبدأ باعتماد حق الأشخاص المعوّقين بالعمل انعكاساً لشرعة حقوق الانسان وتنفيذاً لبنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتبني موازنة تسمح باعتماد معايير هندسية ولوجستية واضحة لتنفيذ هذا الحق، من تجهيز أماكن العمل وتدريب العاملين في البعثة لاحترام التنوع، كل ذلك لتصبح مراكز وعيادات أطباء بل حدود أماكن دامجة صديقة للتنوع.
هنا لا بد لي أن أنوه بالقائمين على البعثة في لبنان وذلك لما أبدوه من تفهم وتعاون على الصعيد الشخصي إذ أنهم قدموا كل الإمكانات المتاحة لديهم لحصولي على الأجهزة التعويضية اللازمة، وتفهموا حالات الأشخاص المعوّقين غير القادرين على الحضور إلى العيادات حيث كانت تُقدم لهم الخدمات الصحية ضمن برنامج الزيارات المنزلية.
ولا بد أيضاً من إيراد أن القائمين على أطباء بل حدود أدركوا حجم وأهمية سياسة الدمج من خلال اعتماد "مناظرات الجمعية الميدانية" في لبنان عام ٢٠١٩ حيث نُوقش وطُرح على أعلى المستويات المحلية والإقليمية.
في نهاية هذه الفقرة لا بد من مناشدة أطباء بلا حدود في اعتماد الدمج في كل برامجها وبعثاتها.


غالباً ما تعمل أطباء بلا حدود في سياقات صعبة وظروف قاسية للغاية. ما هو مدى استعداد أطباء بلا حدود حالياً لإدماج ذوي الإعاقة كأفراد في طاقمها؟
هناك مفهوم سائد في المجتمع أن عملية الدمج هي عملية تكلفتها المادية مرتفعة جداً.
دعوني أورد هذه القصة الطريفة والهادفة: أسس أحد المستثمرين شركة كبيرة في مبنى مرتفع وأراد أن يوظف أحد الأشخاص المعوقين في عداد موظفي الشركة فبنى من أجل ذلك مصعداً خاصاً كلفه مبلغاً ضخماً من المال وعند الافتتاح استعرض هذا المستثمر أعماله ومن ضمنها المصعد المخصص فبادره الشخص المعوّق بالقول: لوسألتني كنتُ اكتفيت بعصا صغيرة أستعين بها للضغط على أزرار المصعد وكلفتها لا تتعدى الخمس دولارات. نعم، لا تتعدى كلفة تحويل أي مبنى أو مؤسسة إلى دامجة أكثر من ١٠ في المئة من كلفة التأسيس هذا حسب آخر الدراسات المختصة على الصعيد المادي.
بمقدور أي مؤسسة أو عمل أن يكون دامجاً إذا توفرت فيه المقومات التالية: - الاعتراف بالحق في التنوع
- اعتماد سياسة التنوع والدمج بدءاً من الميزانية وانتهاءً بالتدريب والتنفيذ بغض النظر عن مكان العمل وظروفه
وتبقى هناك أخصية لكل مكان حسب الوظيفة المتوخاة منه فخيمة الإسعافات الأولية ممكن أن تكون أعلى التل حيث لا يصلها إلا شريحة واحدة من الناس ولكن من الممكن أن تكون في مكان منبسط حيث تصلها كل شرائح المجتمع وموقعها يحدده تبني سياسة الدمج أو عدم مراعاتها.

برأيك ما الذي يحتاج للتغيير في أطباء بلا حدود حالياً من أجل تحقيق إدماج ذوي الإعاقة؟
أطباء بلا حدود منظمة إنسانية تعمل على تقديم الخدمات الطبية للناس الأشد حاجة لهذه الخدمات
إذا استعرضنا مفهوماً بسيطاً نرى أن اللاجئين بسبب الحروب والكوارث الطبيعية هم من الفئات المهمشة ولكن الأشخاص من ذوي الإعاقة منهم يتعرضون لتهميش مضاعف. إعاقة + لجوء في أطباء بلا حدود لسنا بحاجة للتغيير نحن بحاجة للتعديل والإضافة حقوق الإنسان بغض النظر عن جنسه ودينه ولونه وغيرها، موجودة. نحن بحاجة لإضافة تنوعه معوق أو غير معوق بحاجة لإضافة الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن تخطيط وتنفيذ كل مشروع وتخصيص الميزانية اللازمة لهذا الغرض
بحاجة لتدريب الكادر التوظيفي على قبول التنوع بحاجة لتكييف أماكن العمل {وصولاً واستعمالاً} لاستقبال المستهدفين من كافة أشكال التنوع كما لانخراط أعداد من الكادر التوظيفي في عداد العاملين بحاجة لتكييف وسائل الإعلام والإعلان لتغطي شرائح أوسع {لغة الإشارة، لغة بريل وكهدف استراتيجي بحاجة لاعتماد سياسة الدمج ضمن أهداف واستراتيجيات العمل.

 ما هو الوضع الحالي لذوي الإعاقة في البلد؟ ما هي التحديات أو العوائق التي يواجهونها.
إن غياب الإحصائيات الدقيقة الرسمية لا يعطي فكرة واضحة عن حجم وعدد الأشخاص المعوقين داخل المجتمع اللبناني فالعدد الرسمي يتراوح ما بين ٥٠ الى مئة ألف شخص معوق أما إذا استندنا إلى الإحصائيات الدولية فهذا العدد يصل إلى حوالي نصف مليون {10 - 15 في المئة من عدد السكان} يضاف إليهم حوالي نصف مليون من بين اللاجئين السوريين والفلسطينيين والعراقيين.
صدر في لبنان عام ٢٠٠٠ قانون حمل الرقم ٢٢٠ ينظم حقوق وواجبات الأشخاص المعوقين ولكن وللأسف فإن هذا القانون لم يطبق حتى تاريخه لعدم صدور المراسيم التطبيقية لهذا القانون.
كما أن لبنان لم يوقع بعد على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين
في ظل هذه الظروف يعيش الأشخاص المعوقين بحالة من التهميش بدءاً من الحرمان من الحق بالتعلم {خمس مدارس فقط من أصل ١٤٨٠ مدرسة رسمية في كل لبنان تتمتع بمواصفات الحد الأدنى للحق بالوصول} يعيش الأشخاص المعوقون في بيئة تحرمهم من الحصول على الأجهزة التعويضية بأسعار مقبولة ويطال التهميش كافة نواحي الحياة فلا وجود لوسائل نقل مجهزة ولا أماكن عامة تقبل التنوع وإذا وجدت فعددها قليل جداً بشكل عام إن سياسة الدولة اللبنانية تعتمد مقاربة الشفقة تجاه الأشخاص المعوقين وليس مقاربة الحق.


من منظورك كطبيب، ما الذي ترى أنه الفعل الأشد إلحاحاً الذي على أطباء بلا حدود أن تقوم به لتضمن وصولاً أفضل لذوي الإعاقة إلى المساعدة الطبية؟
كما ذكرت سابقاً على أطباء بلا حدود اعتماد سياسة الدمج ضمن سياساتها المعتمدة ونتيجة لذلك ينبغي أن:
- تعتمد أطباء بلا حدود مراكز وعيادات طبية مجهزة هندسياً لاستقبال التنوع
- تعتمد أطباء بلا حدود معايير التنوع في الإعلام والإعلان
كل هذا في إطار الحقوق المنصوص عليها في القوانين والأعراف الدولية. إن هذه الأمور تعتبر الأشد إلحاحاً لأنها مترابطة فيما بينها

هل يأتي أشخاص من ذوي الإعاقة إلى عيادتكم؟ ما هي الحالات ذات العواقب التي قد تؤدي للإعاقة التي ترونها أكثر من غيرها لدى مرضاكم؟
إن عيادتنا في مجدل عنجر تقع على الطابق الثاني وهناك مشقة كبيرة يقاسيها الأشخاص المعوقون للوصول إلى خدماتها باستقلالية ولكن السؤال يبقى هل نحن نحقق مبدأ المساواة إذا ما خصصنا عيادة للأشخاص المعوقين على الطابق الأرضي؟
هذا ما نقوم به حالياً لضرورات البناء
ضمن هذه الظروف تستقبل عيادتنا الأشخاص المعوقين وتقدم لهم الخدمات الطبية أسوةً بغيرهم
عندما نتكلم عن الأشخاص المعوقين يجب أن نوضّح المفهوم
فالشخص المعوق هو الشخص الذي تمنعه الظروف البيئية المحيطة من القيام بأنشطته المختلفة ومن هنا فإن المشكلة ليست في الشخص بل بالبيئة المحيطة فالمعادلة الرياضية للإعاقة هي
D=C×EA
D - disability,
C - physiological Capacity
EA - Environmental accessibility
فإذا كانت EA مجهزة لاستقبال التنوع يكون حاصلها صفراً وهنا تنتفي الإعاقة مهما كانت قدرات الشخص الفيزيولوجية.
ومن هنا فالشخص المعوق هو الذي تمنعه البيئة المحيطة من القيام بأنشطته المعتادة نتيجة خلل وظيفي ما.
فالرجل المسن هو شخص معوق كذلك الطفل والمرأة الحامل وعدّاء الماراثون عندما يتعرض لحادث رياضي وهلم جرا.
إن أكثر حالات الإعاقة في عيادتنا ناتجة عن الحوادث والحروب وكذلك عن الأمراض المزمنة


هل لك أن تخبرنا عن مريض أثرت فيك قصته (على المستوى الشخصي أو المهني) أو رحلة تعافيه من الإعاقة أثناء عملك مع أطباء بلا حدود؟
كان المريض الأول في بداية أسبوع شتائي بارد دخل العيادة متجهم الوجه زائغ النظرة مرتجف اليدين قليل الكلام يجيب على أسئلتي ببضع كلمات لا معنى لها يستعين بطرف صناعي لقدمه اليسرى المبتورة نتيجة داء السكري ويتكئ على زوجته في صعود درج العيادة، كان يعمل قبل البتر كبائع متجول على دراجة نارية يقتات بالقليل الذي يكسبه مع أفراد عائلته السبعة وأمه العجوز. لم يستطع حجب دموعه عند إخباري أنه لا يستطيع الآن أن يعمل وأنه يعيش على مساعدات الهيئات والمحيطين به.
انطلاقاً من احتياجاته عملنا معه ضمن فريق طبي كامل مكون من الأطباء والممرضين والمساعدين الاجتماعيين بالإضافة الى أخصائي الصحة النفسية وتوصلنا أخيراً إلى إعادته إلى عمله ليقود دراجة نارية ثلاثية الدواليب.
نعم هي التفاصيل الصغيرة التي تصنع التغيير الكبير.
إن رؤية ذلك الوجه المتجهم مبتسماً ما يدفعني دائماً للعمل نحو التغ


هل لديك أية رسالة تود قولها للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يتطلعون للعمل في المجال الإنساني أو يرغبون بالإسهام في مجتمعاتهم؟
كأشخاص معوقين نحن جزء من تنوع المجتمع لا ولن تكتمل الصورة بدوننا ولن يستقيم مجتمع فيه جزء مهمش.
مسؤولياتنا تجاه مجتمعاتنا أن نرفع صوتنا ونطالب بالحقوق التي تضمن إنسانيتنا ومشاركتنا.
ولا شيء مستحيل مع الإرادة والتصميم وليكن سلاحنا الأمضى.
كل عمل صغير يصنع فارقاً، والإرادة تصنع التغيير

فالأمر لا يتمحور حول ما فقدته وها أنا ذا مثال حيّ على ذلك

مقابلة مع لويز ليميلا، المسؤولة عن تنسيق وتنظيم حركة جمعية أطباء بلا حدود في جمهورية الكونغو الديمقراطية

أجرت هذه المقابلة تمارا صعب رئيسة قسم الإعلام في منظمة أطباء بلا حدود في دولة الإمارات العربية المتحدة جريت في شباط 2019، احتفالاً باليوم العالمي للمرأة

هلا أخبرتنا كيف بدأت العمل مع أطباء بلا حدود

كانت منظمة أطباء بلا حدود تدير مشروعاً لعلاج جرحى الحرب في مدينة كيسانغاني في جمهورية الكونغو الديمقراطية في خضم النزاع عام 2000. كنت قد أنهيت لتوي دراستي وكنت أعتني بجدي، وعندها بدأت رغبتي في مساعدة الآخرين. تواصلت معي المنظمة وسألوني إن كنت راغبةً في العمل معهم فوافقت. ثم تقدمت عام 2008 للعمل في مشروع قائم في لوبوتو في منصب مسؤولة مستودع وبقيت فيه لغاية 2012. ومنذ 2012 حتى 2018، عملت في ماسيسي مديرة مستودع في بادئ الأمر ثم أصبحت مسؤولة التوريد. وأخيراً أصبحت منذ عام 2018 مسؤولةً عن تنسيق وتنظيم حركة جمعية أطباء بلا حدود في منصب تأسس وقتها حديثاً

أخبرينا عن بعض التحديات التي واجهتك خلال عملك مع أطباء بلا حدود وكيف تعاملت معها؟

بالنسبة لبعض المناصب كإدارة المخازن، كان علي أن أصعد وأنزل السلالم لأخذ أشياء من الرفوف، كما كان علي أن أحمل مواد ثقيلة وهذا لم يكن دائماً بالأمر السهل. كذلك كان الأمر حين عملت ممرضة، فقد اضطررت إلى الوقوف على قدمي ساعات طويلة وهذا كان صعباً بالنظر إلى وضعي البدني، غير أنني بذلت قصارى جهدي في أداء عملي. تزخر ماسيسي بالتضاريس الجبلية التي اضطرتني إلى السير صعوداً ونزولاً مرات عدة على هذه الطرقات

هل أخذت منظمة أطباء بلا حدود وضعك البدني في الحسبان منذ البداية؟ وهل فعلت ذلك بمفردك أم أنك حصلت على الدعم؟

لم تكن ثمة من إشارة إلى وضعي. أُبلِغت فحسب بالعمل الموكل إلي وباشرت به على الفور. كان زملائي الذين أعمل معهم يدعمونني لكنني لم أكن أرغب في تلقي على المساعدة دائماً. أكون في بعض الأحيان عنيدة بعض الشيء وأشعر بأنني ضعيفة إذا ما ساعدني الناس دائماً، وهذا يجعلني أشعر بعدم الراحة. ولهذا أبذل مزيداً من الجهد. كنت أُقدّر دعم زملائي لي ورغبتهم في مساعدتي إلا أنني كنت أصدهم لأنني كنت راغبةً في أداء واجبي كذلك

عادةً ما تعمل منظمة أطباء بلا حدود في ظروف صعبة للغاية. ما مدى استعداد المنظمة اليوم لإدماج ذوي الاحتياجات الخاصة من منظور توظيف الطواقم؟

بدايةً، لم ألاحظ أخذ اعتبارات خاصة في حال كان أحد المتقدمين إلى وظيفة ما يعاني من مشاكل حركية. وكنت شخصياً أتقدم دائماً إلى وظائف وأخضع لاختبارات فشلت في بعضها ونجحت في بعضها الآخر، وبالتالي لم يكن هنالك أية ’إعفاءات خاصة‘

ما الذي ينبغي تحسينه برأيك من أجل إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة، بما في ذلك تشجيعهم على التقدم لوظائف قد يعتقدون أنها لا تناسبهم؟

صحيحٌ أنني حين كنت أتقدم لوظيفة ما كنت أخشى من أن يروا وضعي ويرفضونني على هذا الأساس. لكنني استجمعت قواي وأخيراً تم اختياري. من الأشياء التي يمكن فعلها تشجيع ترشح ذوي الاحتياجات الخاصة حين ننشر الوظائف المتاحة. قد يكونون محدودي القدرات في مجال ما لكنهم قد يكونون متمرسين في مجالات أخرى. وإذا ما تم توضيح الأمر في البداية كما حدث معي، فهذا سيفيد أولئك الذين يعتقدون أن الشروط المطلوبة لا تخولهم الحصول على فرصة العمل تلك. كما سيعني هذا خسارة قدرات أخرى لأنهم خائفون من التقدم للعمل

خلال عملك الحالي ضمن الجمعية، ما هو مستوى الوعي حول مسألة الإدماج، وهل هو موضوع يتم التصدي له؟

حالياً في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لم يتم بعد وضع هذه المسألة على الأجندة. لكن من جهتي بوصفي منسقة حركة الجمعية، فقد وضعنا الموضوع ضمن أهداف هذا العام. وتتلخص الفكرة في البدء بتشارك المعلومات وتوزيعها ضمن سياق كل مشروع وكذلك قبل فعالية ’أيام الجمعية‘ (مناظرات الجمعية الميدانية) وخلالها بغرض تعريف الناس بالمسألة وتقديم نصائح عملية لهم حول كيفية تنفيذ الإدماج. لا ينبغي أن يقتصر هذا على التوظيف بل يؤثر أيضاً في كيفية تشييد مرافقنا. لا توجد أية اعتبارات لغاية الآن في هذا المجال ويتعين علي أن أطلب من أحدهم بين الفينة والأخرى مساعدتي في صعود السلالم أو لا بد لي أن أعتمد على عكازيّ بدلاً من ذلك. ثمة أمور صغيرة يمكن القيام بها لتحسين إمكانية استخدام مرافقنا من قبل الكل كما في دورات المياه وقاعات الاجتماع مثلاً. صحيحٌ أننا أقلية لكن ينبغي لنا السماح لذوي الاحتياجات الخاصة كذلك بالاندماج

ماذا عن مرضاكم؟

دعوني أقدم مثالاً يتعلق بأنشطة حملة التوعية التي ننفذها حينما نذهب إلى مكان ما ونحن لسنا متأكدين من أن الناس بحاجة إلى معلوماتنا وأنهم يستمعون إلينا وهل يسهل عليهم الحصول على المعلومات التي نقدمها لهم. فمثلاً قد تكون المعلومات مهمة بالنسبة للصم والبكم وفاقدي البصر، إلا أن الصم والبكم لن يتمكنوا من سماعنا فيما لن يستفيد فاقدو البصر من وسائل الإيضاح البصرية. كذلك الأمر بالنسبة لمحدودي القدرة على الحركة الذين لن يتمكنوا من القدوم إلى مكان انعقاد الجلسات التوعوية. وهنا علينا أن نسأل أنفسنا وزملاءنا في أقسام التواصل والإعلام والطب والشؤون اللوجستية عن الإستراتيجية الواجب تبنيها لضمان وصول رسالتنا إلى مختلف الفئات. فإذا ما كانت المنظمة تتحدث على سبيل المثال عن فيروس نقص المناعة البشرية على الراديو فقط فإن هذا يعني عدم وصول هذه المعلومات إلى الصم والبكم، وبهذا فإننا نكون قد استثنيناهم تلقائياً بدلاً من أن ندمجهم

هلا أخبرتنا قصة مريض ما أو حدث ما واجهته وأدى إلى إلهامك أو التأثير فيك خلال عملك مع أطباء بلا حدود على الصعيدين الشخصي والمهني؟

حين بدأت أعمل مع أطباء بلا حدود في سياق الحرب، كنت حينها أعتني بجدي في عيادة صحية تابعة لإحدى الجامعات. كانت فرق أطباء بلا حدود متواجدةً هناك لعلاج جرحى الحرب، وكان بعضهم يموتون ولم يكن ثمة من طاقم تمريضي لأن الأغلبية كانت قد غادرت برفقة أسرها. كان الجميع قد غادر ولم يكن هناك سوى طبيبين وعاملين آخرين. انضممت إليهم وحين رأيت أولئك المرضى الذين كانوا بحاجة إلى المساعدة أدركت أنني في وضع يسمح لي بالمساهمة وتوفير الدعم. كما أننا قمنا في أحد الأيام خلال إحدى جولات زيارة المرضى بتخصيص غرفة لوضع الموتى فيها ولاحظت وجود حركة في الغرفة فأبلغت الأطباء على الفور عن إمكانية وجود أحد الناجين في المكان الخطأ. وقد أصبح ذاك الشخص اليوم من أفراد طاقم أطباء بلا حدود، ورغم فقدانه لأحد أطرافه إلا أنه يعمل في مجال الشؤون اللوجستية في أحد مشاريع علاج فيروس نقص المناعة البشرية. كان يذكر ذلك اليوم حينما كنت أعمل في لوبوتو إذ لم أدرك أنه الشخص ذاته الذي أخبرت الأطباء عنه. وقد ترك ذلك أثراً كبيراً فيّ. قلت لنفسي بأنني أسهمت على الأقل في إنقاذ حياة شخص. أنا شغوفة جداً بما أقوم به وأحب خدمة الآخرين

في سياق اليوم العالمي للمرأة، ما هي الرسالة التي تودين إيصالها إلى النساء من ذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي يأملن في العمل ضمن المجال الإنساني أو يتمنين ببساطة الإسهام في مجتمعاتهن كما فعلت؟

أطلب منهن أن يضعن قدرهن بين أيديهن، وألا يخفن من مواجهة الواقع لأن ما يعيقنا هو أن نخاف ونتساءل: هل سأنجح وهل سيقبلونني؟ لا بد أن تبدئي بقبول نفسك أولاً كي يقبلك من حولك. فإذا ما ركزت على عيوبك وكنت تعتقدين بعدم إمكانية ارتقائك فسينتهي بك المطاف كذلك. أما إذا ما تطلعت قدماً وتقدمت وأقنعت ذاتك بأنك ستساعدين الآخرين وبأنك ستحققين ذلك. فالأمر عبارة عن قرارٍ واعٍ عليك أن تتخذيه. عليك أن تبدئي بذاتك، وإذا لم تساعدي ذاتك فإن الآخرين لن يفعلوا ذلك نيابةً عنك. لكن هنالك دائماً أناسٌ نيتهم طيبة ومستعدون لدعمك، وما عليك سوى أن تحرري ذاتك. كما أن مشكلة إعاقات الحركة وغيرها من الإعاقات تتمثل أحياناً في العقد النفسية التي يعاني منها الناس نتيجة لهذه الإعاقات. كنت كذلك في بادئ الأمر. حيث تشعرين بأن الجميع متفوقون عليك وأنك لن تتمكني من النجاح وهذا يعيق حياة ذوي الإعاقة. أطلب من جميع هؤلاء النساء مواجهة الواقع والبدء بقبول ذواتهن وتقديم أفضل ما لديهن. فحين تفقدين طرفاً يبقى لديك جوارح أخرى لتطويرها واستخدامها. فالأمر لا يتمحور حول ما فقدته وها أنا ذا مثال حيّ على ذلك


شارك هذه الصفحة

Start your own website with Mobirise